سورة الأعراف - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
{كِتَابٌ} خبر مبتدأ محذوف، أي هو كتاب. و{أُنزِلَ إِلَيْكَ} صفة له. والمراد بالكتاب السورة {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مّنْهُ} أي شك منه، كقوله: {فَإِن كُنتَ فِي شَكّ مّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ} [يونس: 94] وسمى الشك حرجاً، لأن الشاك ضيق الصدر حرجه، كما أن المتيقن منشرح الصدر منفسحه. أي لا تشكّ في أنه منزل من الله، ولا تحرج من تبليغه لأنه كان يخاف قومه وتكذيبهم له وإعراضهم عنه وأذاهم، فكان يضيق صدره من الأداء ولا ينبسط له فأمّنه الله ونهاه عن المبالاة بهم.
فإن قلت: بم تعلق قوله: {لّتُنذِرَ}؟ قلت: بأنزل، أي أنزل إليك لإنذارك به أو بالنهي، لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم، وكذلك إذا أيقن أنه من عند الله شجعه اليقين على الإنذار؛ لأن صاحب اليقين جسور متوكل على ربه، متكل على عصمته، فإن قلت؛ فما محل ذكرى؟ قلت: يحتمل الحركات الثلات. النصب بإضمار فعلها. كأنه قيل: لتنذر به وتذكر تذكيراً لأن الذكرى اسم بمعنى التذكير، والرفع عطفاً على كتاب، أو بأنه خبر مبتدأ محذوف. والجر للعطف على محل أن تنذر، أي للإنذار وللذكرى.
فإن قلت: النهي في قوله: {فَلاَ يَكُن} متوجه إلى الحرج فما وجهه؟ قلت: هو من قولهم: لا أرينك ههنا.


{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}
{اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم} من القرآن والسنّة {وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ} من دون الله {أَوْلِيَاء} أي ولا تتلوا من دونه من شياطين الجنّ والإنس فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع ويضلوكم عن دين الله وما أنزل إليكم، وأمركم باتباعه.
وعن الحسن: يا ابن آدم، أمرت باتباع كتاب الله وسنّة محمد صلى الله عليه وسلم. والله ما نزلت آية إلاّ وهو يحب أن تعلم فيم نزلت وما معناها.
وقرأ مالك بن دينار: {ولا تبتغوا} من الابتغاء {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا} [آل عمران: 85]. ويجوز أن يكون الضمير في {مِن دُونِهِ} لما أنزل، على: ولا تتبعوا من دون دين الله دين أولياء {قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره. وقرئ: {تذكرون}، بحذف التاء. {ويتذكرون} بالياء. و{قَلِيلاً}: نصب يتذكرون، أي تذكرون تذكراً قليلاً. و{مَآ} مزيدة لتوكيد القلة.


{وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4)}
{فَجَاءهَا} فجاء أهلها {بَيَاتًا} مصدر واقع موقع الحال، بمعنى بائتين. يقال: بات بياتاً حسناً، وبيتة حسنة، وقوله: {هُمْ قَائِلُونَ} حال معطوفة على {بياتاً}، كأنه قيل: فجاءهم بأسنا بائتين أو قائلين.
فإن قلت: هل يقدر حذف المضاف الذي هو الأهل قبل {قَرْيَةٌ} أو قبل الضمير في {أهلكناها}؟ قلت: إنما يقدّر المضاف للحاجة ولا حاجة، فإنّ القرية تهلك كما يهلك أهلها. وإنما قدّرناه قبل الضمير في {فَجَاءهَا} لقوله {أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} فإن قلت: لا يقال: جاءني زيد هو فارس، بغير واو، فما بال قوله: {هُمْ قَائِلُونَ}؟ قلت: قدّر بعض النحويين الواو محذوفة، ورده الزجاج وقال: لو قلت جاءني زيد راجلاً، أو هو فارس. أو جاءني زيد هو فارس، لم يحتج فيه إلى واو، لأنّ الذكر قد عاد إلى الأول. والصحيح أنها إذا عطفت على حال قبلها حذفت الواو استثقالاً. لاجتماع حرفي عطف، لأنّ واو الحال هي واو العطف استعيرت للوصل، فقولك: جاءني زيد راجلاً أو هو فارس، كلام فصيح وارد على حده وأما جاءني زيد هو فارس فخبيث.
فإن قلت: فما معنى قوله: {أهلكناها فَجَاءهَا بَأْسُنَا} والإهلاك إنما هو بعد مجيء البأس؟ قلت: معناه أردنا إهلاكها، كقوله: {إذا قمتم إلى الصلاة} [المائدة: 6] وإنما خصّ هذان الوقتان وقت البيات ووقت القيلولة، لأنهما وقت الغفلة والدعة، فيكون نزول العذاب فيهما أشدّ وأفظع، وقوم لوط أهلكوا بالليل وقت السحر، وقوم شعيب وقت القيلولة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8